روائع مختارة | واحة الأسرة | قضايا ومشكلات أسرية | حلم الزواج...والتحسر على فوات الأوقات

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > واحة الأسرة > قضايا ومشكلات أسرية > حلم الزواج...والتحسر على فوات الأوقات


  حلم الزواج...والتحسر على فوات الأوقات
     عدد مرات المشاهدة: 2239        عدد مرات الإرسال: 0

قبل سنوات غير بعيدة...كانت شاردة الذهن، بادية الغم، مفعمة بالتململ والإنتظار، لا تنهي عملا بدأته، ولا تتحمس لفتح أبواب جديدة من علم أو عمل.. كانت تنتظر الزواج، تنتظره بقلق وملل، وليس بفرحة ويقين.

توقعتُّ أن أجدها مختلفة، بعد أن تحقق حلمها الذي أثقل كاهلها، وتزوجت رجلا صالحا، وأنجبت طفلين، ونعمت بالإستقرار الذي طالما نشدته، وعطلت كل الأنشطة في إنتظاره.

تخيلت أنني سألقاها بعد هذه السنوات الفارقة مبتسمة سعيدة، تغمرها مشاعر الرضا، وتلهج بالشكر، ناجحة في حياتها الزوجية، مستمتعة بأمومتها، بإختصار توقعت أن أجدها نموذجا لإنسان يعيش حلمه.

ولكن رؤيتها كانت صادمة بكل المعاني.. ليس لصراخها على أطفالها، أو حدتها في الحديث عن زوجها، فهذه سلوكيات تطرأ على الزوجات والأمهات، ولكن الدهشة تملكتني لأنني وجدتها كما تركتها، حائرة المعالم، باهتة التعابير، مبادرة بالشكوى، معرضة عن جسور الأمل، متأفأفة من حديث التغيير والتطوير والحل، ودار بيننا هذا الحديث:

ـ ما بكِ يا عزيزتي؟ تبدين محبطة!؟

= أجل.. فقد تعبت من هذه الدوامة.. أيامي متشابهة.. لا روح فيها.. لا حياة.

ـ كيف هذا وقد رزقك الله بطفلين جميلين يمتلآن بالحياة والنشاط.

= إنني أعيش حياة تملآها الرتابة والصداع.. مسؤوليات لا فكاك منها، ولا أكاد أحصل على وقت لنفسي.. لا تقولي إنني لم أحاول، فقد حاولت كثيرا، وآخر هذه المحاولات الفاشلة كانت عندما التحقت بالدورة العلمية بالجامع الكبير، ولكنني لم أستطع الإستمرار بسبب الطفلين.

ـ ولماذا تقصرين نظرك على طلب العلم بشكل مكثف أو نظامي؟.

= علمت أنك ستقولين هذا.. لا يا صديقتي، لم أقصر نظري على هذا، إنني لا أتمكن من قيام الليل بصفاء نفس وراحة بال، ولا أتمكن من الإستماع لدرس في منزلي دون مقاطعة أو تشويش.. والمشكلة أن زوجي يريد مزيدا من الأطفال، آهٍ ثم آه.. عمري يضيع ولا أتزود بالتقوى، لا أتعبد ولا اطلب العلم، كم أغبط الفتيات المتفرغات.

ـ وهل تعتبرين أن التعبد هو قيام الليل أو طلب العلم، ألا تدركين أن قيامك بحق الزوج والأطفال عبادة تقربك إلى الله؟.

= بلى.. ولكن قلبي قسا، وطاقتي الإيمانية أوشكت على النضوب، إنني أتحسر على الأيام الخوالي، أتحسر على نعمتي الصحة والفراغ قبل زواجي، فقد غُبنت فيهما.

ـ أليس غريبا أنك أضعتِ أيام فراغك في تمني ما أنتِ فيه الآن.. بالقلق المستمر ألا تتزوجي وتجنبي وتنعمين بأسرة تبنيها، حتى إذا ما حقق الله أملك تحسرتِ على حالك السابق.

سكتت، فقلت لها:

ـ إن المخيف في الأمر يا صديقتي.. أنك بعد أعوام ستتحسرين من جديد على تضييعك لسنوات طفولة أبنائك، عندما تجدين منهم مراهقة غاضبة متمردة، بعد أن نشأوا كصغار غير مرغوب فيهم، تحاول أمهم التلهي عنهم، وتبحث عن أهداف أخرى ذات قيمة إذ لا قيمة لهم في نظرها.

وجدت عليها علامات التأثر، فأكملتُ:

ـ ولن تكون هذه النهاية، بل إنك ستتحسرين مجددا عندما يكبرون ويمضي كلٌ في حياته، ستندمين على أيامٍ مضت كالومضات كانوا فيها صغارا يملئون حياتك حركة ودفئا، وكنت عنهم نافرة متحسرة على زهرة شبابك.

= قالت بصوت متهدج: ولكنني لا أستطيع أن امنع نفسي من التفكير فيما كان بوسعي تحقيقه في الماضي.

ـ قلت: لأنك يا صديقتي الحبيبة تحتاجين لتصحيح نيتك، والفقه عن ربك، تحتاجين إلى أن يكون هدفك رضاه، وأن تعلمي أن الطريق إلى الله ليس حكرا على وضع إجتماعي، ولا مرهون بظروف، فكما أثنى الشرع على شاب نشأ في طاعة الله، حثَ بقوة أيضا على حسن التبعل للزوج، وفضل رعاية الأطفال، وكما أن لقيام الليل أجر عظيم، فإن في السهر رعاية لطفل مريض أجر لا يقل عنه إن لم يزد.

ـ وتابعت: إننا نهدر أوقاتا غالية في التمني والإنتظار، ونبدد فرصا ثمينة حسرة وندما على أخرى ضائعة، إنها دائرة شيطانية عنوانها السراب، تضيع فيها أعمارنا بين التمني والندم، فلا نكاد نعيش يومنا الذي بين أيدينا، لأن الشيطان يزين لنا ما ليس بوسعنا، وكما يقول المثل الإنجليزي: إن العشب دائما أكثر إخضرارا على الجانب الآخر.

= سألتني: ولكن هل تستوي الاعمال اليومية العادية وإن صحبتها النية بالصلاة، والتلاوة، والتدبر في تأثيرها على القلب وزكاته؟.

ـ قلت: إن المسلم موصول دوما بالصلاة والذكر، ولكن تقلب الأحوال قد يغير خارطة العبادات التي يمكنه التزود منها والإكثار، وإذا صحت نيته فسيكون مرنا مقبلا على شأنه غير متصلب على عبادة بعينها إذا كانت فريضة الوقت عبادة أخرى.. لا يستكبر عن طاعة لأن هدفه رضوان الله، إن كان في الساقة كان في الساقة، وإن كان في الحراسة كان في الحراسة، وللعلامة ابن القيم رحمه الله كلام بديع في هذا الأمر، يقول فيه: إذا عزم العبد على السفر إلى الله تعالى وإرادته عرضت له الخوادع والقواطع، فينخدع أولا بالشهوات والرياسات والملاذ والمناكح والملابس‏، فإن وقف معها إنقطع وإن رفضها ولم يقف معها وصدق في طلبه إبتلي بوطء عقبه،‏ وتقبيل يده، والتوسعة له في المجلس والإشارة إليه بالدعاء ورجاء بركته، ونحو ذلك فإن وقف معه إنقطع به عن الله وكان حظه منه، وإن قطعه ولم يقف معه إبتلي بالكرامات والكشوفات، فإن وقف معها إنقطع بها عن الله وكانت حظه، وإن لم يقف معها غبتلي بالتجريد والتخلي ولذة الجمعية وعزة الوحدة والفراغ من الدنيا،‏ فإن وقف مع ذلك إنقطع به عن المقصود، وإن لم يقف معه وسار ناظرا إلى مراد الله منه وما يحبه منه بحيث يكون عبده الموقوف على محابه ومراضيه أين كانت وكيف كانت، تعب بها أو إستراح، تنعم أو تألم، أخرجته إلى الناس أو عزلته عنهم، لا يختار لنفسه غير ما يختاره له وليُّه وسيدُه، واقف مع أمره ينفذه بحسب الإمكان، ونفسه عنده أهون عليه أن يقدم راحتها ولذتها على مرضاة سيده وأمره‏،‏ فهذا هو العبد الذي قد وصل ونفذ ولم يقطعه عن سيده شيء ألبتة.

علا وجه صديقتي إبتسامة تنم عن راحة عميقة، وكأنها قررت أخيرا أن تُقبل على شأنها، وتركب قطار الطاعات، بدلا من الندم على مرور عرباته واحدة تلو الأخرى.

 بقلم: مي عباس.

المصدر: موقع رسالة المرأة.